نعم..كِبروا الأولاد
موفقة كانت الصحيفة الإيطالية في توصيفها للحدث الفلسطيني، بأن أطفال فلسطين قد كبروا نعم، لقد باتوا يتقنون لعبة الكبار
موفقة كانت الصحيفة الإيطالية في توصيفها للحدث الفلسطيني، بأن أطفال فلسطين قد كبروا نعم، لقد باتوا يتقنون لعبة الكبار، وباللغة التي يفهمونها، فما عاد حجرهم بقادر على أن يوقظ أصحاب الضمائر الغافية من سباتها، فلطالما أوهمتهم طفولتهم وبراءتهم، بأن في داخل هؤلاء قلب ومشاعر وأحاسيس، سوف تعي ذات يوم، فيخرجون لنجدتهم، ونصرتهم، والزود عنهم بما أتاهم الله من النعم، وبما تفيض مخازنهم من سلاح وذخائر.
أولى دوافع هذا الاجتياز السريع لهؤلاء الأطفال سن المراهقة، ويصيرون أكثر رشداً وبأساً، ذهولهم من الهرولة المتتابعة لدول عربية ومسلمة نحو التطبيع مع عدو يحتقرهم، ويذلهم، ويهزأ بدينهم، ومع ذلك يتسابقون لمصافحة قتلتهم، يراقصونهم احتفاء وتعظيماً، ويغدقون عليهم من فيض أموال بيت مال المسلمين، وبما هو آت.
كيف لا يمتلئ قلب الفلسطيني العشريني وهو يشاهد بلاد المسلمين تفتح للصهاينة، سياحة، وتجارة، وعربدة، وتجسساً، وكل الموبقات، بينما هو يقبع في أحزمة البؤس، الألم، والقهر، في داخل أزقة فلسطين وفي مخيمات الشتات، ولا يحظى من أهل ملته، دينه، قيمه، إلّا بعبارات قد ملّها، تعب منها.
لقد أثبت أبناء المسجد الأقصى كم هم غيارى على الكعبة بيت الله الحرام، وهم يتتبعون الأخبار التي تتوالى عليهم، بأن بلاد الحرمين الشريفين ستصير قريباً آمنة للصهاينه، الذين سوف يطالبون بالتعويضات المناسبة عن يهود خيبر، والاعتذارات عما فعله الرسول الأكرم والصحابة الميامين بهم في سالف من الأيام.
إنّ ما فعله الفلسطيني ليس ردة فعل بل صناعته، وليس تهوراً بل الوعي بحقيقته، وتأكيداً بأن المقاومة ما عادت جبهات بل محوراً. ولو كان الإسرائيلي وخلفه الأمريكي والتابعون على قدر من الوعي لأوقفوا الحرب وقللوا من حجم الهزيمة، ولكن استكبارهم، وتجبرهم، عائق أمام ذلك، ففيه سرّ سيرهم الدؤوب نحو هلاكهم الآتي حتماً، أسوة بما سبقهم من عتاة وطغاة عبر التاريخ.
إذا لم يتراجع الأمريكي ونفذ تهديداته كما يقول، سوف يشهد العالم قريباً وخلال ساعات، ملحمة تاريخية بكل معانيها وصورها، والتي ستضع حداً لمسار أنفق من أجله موارد ضخمة جداً، أريد له أن يعيد هذه الأمة لجاهليتها، وكأنّه لا وحي جاء ولا خبر نزل.
إنّ الذي ستحدثه الحرب إذا ما وقعت، سواء على مستوى حركات المقاومة وثقافتها، أو لجهة التطبيع مع العدو، أو على مستوى القضية الفلسطينية، أو على مستوى الحصار الذي يفرض على شعوب المنطقة، سوف يكون دليلاً حاسماً في تحديد كم بلغ هؤلاء الفتية الفلسطينيين من رشد.